روايات شيقهرواية جحر الشيطان

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

الفصل الثانى عشر
جلست فتون على مكتبها تنظر إلى تلك الصور على هاتفها، حددت الكل، ثم ترددت لثوان قبل أن تضغط على زر المسح ولكنها حسمت امرها و قامت بالضغط في ألم، لتجيئها رسالة تسألها (هل أنت متأكد من أنك تريد مسح الكل؟)
لتضغط على نعم، نزلت من عينيها دمعتان وهي تقول بهمس مرير:.

سامحينى ياميسون بس كان لازم أمسح صورك من على تليفونى، أنا مش مستعدة غلطة واحدة تضيع كل اللى بعمله عشان أنتقم لموتك، سامحينى ياحبيبتى.
مدت يدها تمسح تلك الدمعات ليرتسم التصميم في عيونها وهي تأخذ بعض الأوراق وتتجه الى حجرة ياسين بخطوات حازمة.

رمق مروان محمود بتلك النظرة الصارمة و التى ترعب قلوب من لا يعرفه، ورغم أن محمود بات يعرف مروان جيدا وبات يدرك ايضا أن تلك النظرة هي شئ ملازم لشخصية مروان، فأصبح معتادا عليها إلا أنها مازالت توجس قلبه خيفة وتجعله يشعر بالقلق، خاصة عندما تمتزج مع تلك النبرة الصارمة والتى تحدث بها مروان حين قال:
خير يامحمود؟
قال محمود بارتباك:.

انا، إنبارح، ولإنشغالك طبعا، مضيت على العقد بسرعة من غير ما تعرف التفاصيل وكان لازم آجى لحضرتك النهاردة عشان أوضحلك الشروط اللى اتفقنا عليها وكمان فيه كذا ورقة تانيين محتاجين لإمضتك.
أومأ مروان برأسه وهو يشير اليه بيده كي يجلس قائلا:
ياسين قاللى على الشروط وتفاصيل العقد، ورينى بقى الورق التانى عشان أشوفه.

ناوله محمود ملفا به بعض الأوراق ففتحه مروان وبدأ في قراءة صفحاته ليزيلها بامضاءه، حين تناهى الى مسامعه صوت طرقات على الباب يعرفها جيدا، وقبل ان يتفوه بحرف، فتح الباب لتدلف زينة بهدوء تحمل صينية عليها فنجالين من القهوة، تقدمت الى المكتب تتابعها عينا مروان في غيظ وهو يلاحظ تعلق نظرات محمود بها، وما ان وضعت الصينية على المكتب وكادت أن تغادر حتى قال محمود بسرعة:
من فضلك يا…

وترك جملته معلقة ليجز مروان على أسنانه وهي تنظر الى محمود قائلة في رقة:
زينة.
لمعت عينا محمود وهو يقول:
ممكن تجيبيلى كوباية مية يازينة؟
قال مروان في حدة:
ما المية أدامك أهى يامحمود؟
نظر اليه محمود في دهشة من حدته ليقول متلعثما:
المية دى، باردة، وانا، يعنى، معدتى واجعانى النهاردة، فكنت، عايز كوباية مية عادية.
قال مروان موجها حديثه الى زينة بغيظ:
هاتيله كوباية مية مش باردة وابعتيها مع دادة تحية، مفهوم؟

أومأت زينة برأسها في هدوء ثم انصرفت تتابعها عيون محمود، شعر مروان انه على وشك أن يرتكب جريمة قتل، ليقرر انه منذ تلك اللحظة سيمنعها من أن تتواجد قربه عندما يكون لديه ضيوف، خاصة ضيف مثل محمود يعلم جيدا ولعه بالنساء، أسرع يتفحص الأوراق، حين طرق الباب مجددا ودلفت زينة تحمل كوب الماء ليشعر مروان بالغليان وهو يقول بغضب:
أنا مش قلت دادة تحية اللى تجيبها، انتى اطرشتى ولا بتعاندينى؟

أحست زينة بالخجل لتعنيفه إياها أمام هذا الغريب، لتقول وقد بدأت الدموع تغزو مقلتيها:
لا اطرشت ولا بعاندك، دادة تحية كانت هتجيبها فعلا بس داخت وانا قلتلها ترتاح.
أوجعته تلك الدموع التى ملأت عيونها وتلك النبرات الضعيفة في كلماتها ولكنه عاد يقسى قلبه مقنعا إياه بأنها لا قلب لها ليتأثر، وأن دموعها تلك ماهي إلا دموع التماسيح تماما، ليقول ببرود:
طب سيبى المية اللى في ايدك دى، وأدامى نشوف دادة تحية.

وضعت كوب الماء أمام محمود، وهي تنكس رأسها ثم اتجهت لمغادرة المكتب يتبعها بهدوء ولكنه توقف لثوان يقول لمحمود:
استنانى يامحمود، انا مش هتأخر.
اومأ محمود برأسه في هدوء بينما غادر مروان ليقول محمود بهمس:.

أقطع دراعى ان ما كان بين مروان وزينة دى حاجة، وهناك في الشركة ياسين وفتون كمان، خليهم كدة مكوشين على أجمل بنات شافتهم عينية وخليلى انا اللى اتجوزتها وقاعدالى في البيت فاكرة نفسها ياما هنا وياما هناك، تيجى تشوف المزز عشان تعرف انى اتجوزت واحد صاحبى، ربنا يرحمك ياأمة، اخترتيهالى، وخلعتى، دبستينى تدبيسة العمر، يلا بقى، هقول ايه، الدنيا اصلها حظووووظ.

حمدت فتون ربها على عدم تواجد تلك السكرتيرة والتى تثير اعصابها غيظا لتقترب من باب حجرة ياسين وتطرقه بهدوء وما ان إستمعت الى صوته يسمح لها بالدخول حتى دلفت الى الحجرة، توقفت عند الباب تشعر للحظة بأن ياسين قد تفاجئ بها قبل ان تعود ملامحه غامضة لا تعبر عن شئ وهو يقول:
اتفضلى يافتون، واقفة عندك ليه؟
اقتربت منه وجلست قبالته وهي تضع تلك الاوراق في يدها على المكتب أمامه قائلة:.

دى أوراق عرض مقدماه شركة وليد السكرى، لما سألنى وليد عن شركة يثق فيها عشان تاخد توكيل حصرى بتسويق منتجاته في مصر ملقتش طبعا أحسن من شركتنا، الورق أدامك راجعه وقوللى رأيك، أنا هكون في مكتبى.

ونهضت لتغادر بينما انتابت ياسين مشاعر شتى تجمع مابين الغيرة والحنق، الغيرة لنطقها اسم ذلك الوليد بأريحية، بل إنه يشعر انها تتحدث بأريحية عن كل الرجال في حياتها بشكل يثير غيرته وغضبه، يتساءل عن كم الرجال الذين عرفتهم في حياتها وهل وقعت في حب أحدهم؟ويشعر بالحنق من نفسه ايضا لتفكيره بتلك الطريقة وتساؤلاته التى أصبحت كلها تدور حول تلك المرأة الغامضة والتى يريد بكل ذرة في كيانه أن يسبر أغوارها، وجد نفسه رغما عنه يقول:.

استنى يافتون.
ابتسمت بانتصار، قبل ان تختفى تلك الابتسامة من على وجهها وهي تلتفت اليه قائلة في براءة مصطنعة:
خير ياياسين؟
أشار لها بالجلوس مجددا وهو يقول:
اقعدى نشرب فنجال قهوة وندرس الورق ده مع بعض.
قالت في تردد مصطنع:
خايفة، يعنى، اضايقك بوجودى.
قال في هدوء:
لأ طبعا مش هتضايقينى احنا خلاص بقينا شركا، ومصلحتنا واحدة، ولا ايه؟
ابتسمت وهي تجلس قائلة:
طيب بما اننا شركا، فلية طلب عندك.

نظر اليها متساءلا لتستطرد قائلة:
انا بعت اجيب مديرة مكتبى سعاد من بيروت لكن نبيل دلوقتى من غير مديرة مكتب وبصراحة آخر مديرة مكتب ليه طلعت مش كويسة فمحتاجة مديرة مكتب يكون عندى ثقة مطلقة فيها ومش هلاقى حد أثق فيه أكتر من دارين أختك.
نظر اليها ياسين للحظات دون أن ينطق مما أثار اضطرابها، ولكنه مالبث ان قال بهدوء:
وأنا موافق يافتون، حاجة تانية؟
ابتسمت فتون وقلبها يزفر بارتياح قائلة:.

أنا مش عارفة أشكرك إزاى ياياسين، يلا بقى اطلبلنا القهوة عشان ندرس الورق.
رفع ياسين سماعة هاتفه وهو تائه في تلك الابتسامة الخلابة خاصتها ليسألها بشرود قائلا:
قهوتك ايه يافتون؟
نظرت الى عمق عينيه وهي تقول بهدوء:
بلاك ياياسين، قهوتى بلاك.
لتبتسم في داخلها وهي تقول لنفسها في صمت:
زي أيامك الجاية معايا ياياسين تاج الدين.

قالت سوزى في عصبية:
بقولك اتصرف ياعدنان، أنا مش ممكن أبات يوم واحد في المكان ده.
تراجع عدنان في المقعد الذى يجلس عليه قائلا بهدوء:
هتصرف ازاي بس ياسوزى، انتى ممسوكة ب ٢ كيلو هيروين، يعنى تهمة الاتجار لابساكى، انا مش عارف ازاي تمشى بالكمية دى في عربيتك، طب كنتى قوليلى وانا كنت خليت رجالتى صرفوهالك.
قالت سوزى بعصبية:.

يصرفوهالى ايه بس ياعدنان؟، انا والله ما اعرف حاجة عن الهيروين ده، ولا أعرف ازاي لاقوه في شنطة عربيتى.
عقد عدنان حاجبيه قائلا:
يعنى الهيروين ده مش بتاعك؟
قالت سوزى في حدة:
لأ طبعا مش بتاعى، أنا مليش في الحاجات دى وانت عارف.
تظاهر عدنان لثوان بالتفكير ليقول بعدها:
تفتكرى يكون مروان هو اللى عملها؟
اتسعت عينا سوزى في صدمة قائلة:
تفتكر؟دى تبقى مصيبة.
قال عدنان بهدوء:.

ولا مصيبة ولا حاجة، عموما معتقدش انه مروان، وبعدين هو لو عايز يوديكى في داهية فيه حاجات أكتر من كدة ممكن يعملها، اهدى بس وانا هشوف طريقة أطلعك بيها من هنا، بس بشرط.
عقدت سوزى حاجبيها قائلة:
شرط ايه ياعدنان؟
مال عدنان للأمام ليقترب منها قائلا:
تنفذى الاتفاق بتاعنا.
تراجعت سوزى في مقعدها قائلة بصدمة:
انت بتقول ايه؟
تراجع عدنان بدوره في مقعده قائﻻ:.

اللى سمعتيه ياسوزى، هتبقى عينى على مروان وتنقليلى أخباره هطلعك من الموضوع ده زي الشعرة من العجين، هترفضى يبقى خليكى هنا، تاخدى عشر سنين سجن، مؤبد، اعدام، انتى ونصيبك بقى، سلام.
نهض عدنان ليغادر ولكن قبل ان تمس يده قبضة الباب تناهى الى مسامعه صوت سوزى يقول بلهفة:
استنى ياعدنان.
التفت اليها لتستطرد قائلة في ضيق:
أنا موافقة.
اومأ عدنان برأسه قائلا:.

بكرة الصبح بالكتير هتكونى في بيتك ياسوزى، وهستنى منك تجيبيلى أخباره، سلام
والتفت مغادرا تعلو وجهه ابتسامة شيطانية منتصرة تليق بشيطان مثله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
نبضات قلب الأسد الفتاة والشخابيط